إن كنت أذكرك بالزمن الجميل، بعهد مضى، بأحلام تناثرت بريح الخريف، فأنا أستيقظ كل يوم من جديد،
أكنس ما تبعثر من أحلام وأنثر أخرى بلون قوس قزح وبعبق الربيع..
لا تلمني إن كنت لازلت أتضرج حمرة فقد جفت الدماء من الوجوه وأصبحت كتماثيل من الحجر،
جامدة، قاسية بابتسامات مصطنعة وملامح حادة ونظرات تحمل الحقد والعداء وكل أمر مريب..
لا تلمني إن كنت لازلت أعرف قيمة المحبة، أسقيها لتنمو وتكبر وتعيش،
فالحب فقط لا ثمن له ولا عملة تشتريه ولا قلب يساوم عليه،
ولا روح تبيعه ولا قويّ يأخذه بالغصب ولا ضعيفا يستجديه..
لا تلمني إن كنت أغرق في تأملاتي كالمأخوذة بسر غامض لا أحد يملك تفسيره،
أجلس لساعات غارقة في الصمت، أرتاح من الضجيج والفوضى والصراخ والأنين،
أبتعد عن نفسي وأنظر إليها كيف تعيش، كيف تفكر، كيف تعمل، كيف تعبد، وكيف تستكين..
لا تلمني لأن شعورا متناقضا يحركني ويهزني ويجرفني..
فأنا المتحدية المتمردة الهادئة الحنونة الخجولة الجريئة القوية المندفعة المليئة بالسكينة..
توازني تناقض صارخ، قوة وضعفا، رقة وجرأة،
أبتسم من الحزن وتدمع عيناي من الفرح وأثرثر بلسان الصمت،
فلا تلمني..أكره المطارات وأسرة الفنادق والمقاعد الرخامية الباردة
وجلسات النميمة والأحاديث الجانبية ورائحة السمك الميت
ولا أحب مصطلح «عجوز» ولا «عانس» ولا «سن اليأس» ولا «مومس»،
ولا أستخدم «حيثما ولاسيما وإن دل على شيء فإنما يدل» لا أستعملها..
ولا أشاهد المسلسلات الكورية ولا المكسيكية، ولا أتابع الجلسات البرلمانية حيث ينام النواب،
ولا أرتاح للغرباء الفضوليين كثيري الأسئلة،
ولا للرجال زائغي النظرات الذين لا يحترمون رجولتهم..
فلا تلمني..إن كانت هداياي لا توجد في الأسواق..وكلماتي لا تفسير لها بقاموس اللغة..
ورسائلي ديوان شعر بلا وزن ولا قافية ولا أبيات.. لا يصلح للإلقاءهو همس دائم وألغاز محيرة ومربكة..
فأجمل وأفصح اللغات: الإيحاء.لا تلمني لأنني أتحدث طويلا لبائعي الأزهار لأظل أطول زمن بين الورود ،
وأغادر راكضة أماكن أخرى حيث تضيق روحي وأختنق وأستغيث..
فتلك متعي الصغيرة البسيطة التي لا أتنازل عنها،
وتلك أماكن روحي تسبقني إليها قبل قدميّ وأولئك أناس بسطاء أسارع الخطى نحوهم ليحضنني دفئهم وودهم ونبلهم،
أجد فيهم ما لا أجده في علية القوم..فلا تلمني..
لا تتعب نفسك في البحث لي عن شبيه.. فلا أحد يشبهني..
ولا تجهد نفسك في البحث عن أساليب لتُغيّرني.. فلا أمل في تغييري..
ولا تلاحقني، فروحي حاضرة في كل مكان، سواء غاب جسدي أم حضر..
ولا تغضب ولا تحزن ولا تيأس..ولا تلمني